الاثنين، 6 فبراير 2012

الإمامة و النّصّ في كتاب الحجّة من الكافي للكليني

- الإمامة في كتاب الحجّة من الكافي

يؤكد الكليني (؟- ت 328 أو329هـ )على أهمية العقل في تناول المسائل الدينية فيقول : "أول ما أبدأ به و أفتح به كتابي هذا – أي الكافي – كتاب العقل ، وفضائل العلم، وارتفاع درجة أهله، وعلو قدرهم ونقص الجهل وخساسة أهله، وسقوط منزلتهم، إذ كان العقل هو القطب الذي عليه مدار التكليف والحكم بين الحق والباطل من الأفكار، وبين الصحيح والسقيم من الأنظار، وبه يحتج وله الثواب وعليه العقاب " ([1]).
ولهذا الاعتبار، وسع الكليني " قليلا كتاب الحجة " ([2]) من أصول الكافي، إذ بالحجة يستقر الدليل في العقول وتحصل القناعة في النفوس ويثبت الرضى في الصدور.
والحجة بداهة، لا يخلو حالها من أن تكون عيانا ظاهرا أو نظرا قاطعا أو نصا جليا.
ومضمون كتاب الحجة يتعلق بأوصاف الأئمة، وسعة علمهم، وشهودهم على خلق الله، ووجوب طاعتهم...
والنص عليهم الواحد تلو الآخر. لهذا فان كتاب الحجة يقيم الدليل الكافي ويقدم البرهان الشافي على إمامة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لجميع المسلمين في الدين والسياسة، إذ لا تجوز مخالفتهم في أي من هذين الشأنين وان على سبيل الرخصة.
فعن زرارة عن أبي جعفر قال : "بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية، قال زرارة: وأي شيء من ذلك أعظم؟ فقال: الولاية أفضل، لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن " ([3]).
و عن الباقر:" بني الإسلام على خمس: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان والولاية لنا أهل البيت، فجعل في أربع منها رخصة ولم يجعل في الولاية رخصة" ([4]).
وفي الروضة من الكافي " ... و لم يرخص لأحد من المسلمين في ترك ولايتنا. لا والله ما فيها رخصة." ([5])
وسبيل إثبات هذه الولاية عند الشيعة يكون بالوصية والعهد والميثاق لذلك تتكرر هذه الألفاظ الاصطلاحية في رواياتهم.
فعن علي الرضا قال:" ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولم يبعث الله نبيا إلا بنبوة محمد ووصية علي صلوات عليهما." ([6])
وعن عمرو بن الأشعث قال:" سمعت أبا عبد الله يقول: أترون الموصي منا يوصي إلى من يريد؟ لا والله. ولكن عهد من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه." ([7])

و في رواية: " لم يبعث الله نبيا ولا رسولا إلا وأخذ عليه الميثاق لمحمد بالنبوة ولعلي بالإمامة " ([8]).
إذن تعني الوصية العهد والميثاق ، وهي وصية ظاهرة ،وسواء أكانت مكتوبة في صحيفة أو شفوية - نقلت ثم دونت - ،فأنها بالضرورة ذات محتوى بيّن ومضمون واضح أي أنها نص جليّ لا يحتمل إلا معنى واحدا لا يقبل التأويل ، لأنها بيان لا يحتاج إلى تبيين .
 أما لماذا الاعتماد على الوصية الظاهرة في إثبات الإمامة / الولاية ؟
 الإجابة على ذلك ترجع إلى أنها مسألة "كونية" إيمانية لا تخضع للعقل ولا تقبل الاجتهاد فقد قال العالم عليه السلام "إن الله عز وجل خلق النبيين على النبوة، فلا يكونون إلا أنبياء وخلق الأوصياء على الوصية، فلا يكونون إلا أوصياء " ([9]).
 فهي حجة قائمة بنفسها ، واسمها يحيط بتعريفها ويخبر عن ماهيتها ويخرجها عن الشركة فلا تستعين في الكشف عن ذاتها بالفكرة ولا تستمد معناها من التأويل ،إنها( كون) من البارئ تعالى وخلق منه وسنّة أمضاها في حججه على الناس ، وعلى ذلك استقرت حكمته وهو ما اقتضته مشيئته .
 ولذا فان الاعتقاد في الإمامة لا يعود إلى ثبوت النص (الحجّة) وقوة دلالته ، كما أن إنكارها لا يرجع إلى خفائه أو انعدامه ،- وهذا تمهيد مقصود من الكليني- فان صادف أن قوما آمنوا بالولاية (الإمامة) لعليّ وبنيه – وأنها عهد من الله ورسوله - فذاك من تتمة الله تعالى لهم ونعمته عليهم ، وان وجد من سلب هذا الفضل فأنكر الولاية فان ذلك مرده أيضا إليه تعالى فهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء .قال العالم عليه السلام ([10]) :" إن الله ...أعار قوما إيمانا  فان شاء تمّمه لهم ، وان شاء سلبهم إيّاه ". قال: وفيهم جرى قوله " فمستقر ومستودع"  ([11])
2- من الوصية الظاهرة إلى الوصية العادية :
يخضع كل كتاب إلى إعمال عقل، فلا يوجد كتاب جمعت مواده ووضعت عبثا دون ترتيب وقصد إلى غاية، إذ لابد من عمليات تصنيف واثبات وإلغاء وتقديم وتأخير...والغاية تثبيت المعنى لدى المتلقي / القارئ.
  لكن ما يفرق بين كتب النقل الشرعي هو مدى استقلال النصوص عن التدخل البشري. فالقرآن الكريم تواتر نقل نصه كما انزل على النبي صلى الله عليه وسلم، دون زيادة أو نقصان... والسنة المطهرة الصحيحة فرضت "سلطتها " على ناقليها، ولم يصح منها إلا ما صح نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم... حتى إن قارئ نصوصها يدرك أنها تصدر من معين واحد، وتدخل المصنفين يتمثل في اختيارها وفق موضوعات الكتاب وأبوابه.
    بلا شك أن كتاب الحجة من أصول الكافي يخضع لقواعد التصنيف... بمعنى أنه يخضع إلى إعمال العقل، وبلا ريب أيضا أن الحجة الظاهرة تُثبت مرادها ومعناها، أي هي تثبت حجّيتها بنفسها، وتفرض سلطتها على متلقيها بذاتها... إذ متى كان الدال سليما، كان المدلول متعينا ... لكنّ الإشكال في كتاب الحجة من الكافي يتمثل في خضوعه إلى أطر المذهب ومقوماته، وبذلك لا تبرز تلك المقومات من خلال الحجة ولا يتأسس المذهب على قاعدة البيان (النصوص )، وإنما يتدخل المذهب الاعتقادي ليوجد النص ويحتج له.
وعليه فان كتاب الحجة، لا يخضع من حيث التصنيف إلى عقل الكليني فقط، بل ينشدّ كليا إلى عقل المذهب، ولعلّ هذا ما يفسر كثرة الروايات الضعيفة فيه، بل في جميع كتاب الكافي، وهو ما وضحه المجلسي في مرة الأصول، والبهبهودي في صحيح الكافي ([12]).
ما بين العقلين، يمارس الكليني لعبة معنى على مستويين:
الأول حين يلمح دون تصريح، ويشير دون توضيح ،إلى ماهية الإمامة، فيرتفع بها فوق مرتبة النبوة دون إشراك الإمام مع النّبي في اسم النّبي  ([13])، ثم ينحط دونها درجات فيستحيل الإمام إلى بشر عاديّ يوصى إليه كما يوصي كل إنسان إلى إنسان، وبذلك يستفرغ  - صاحب الكافي - المعنى من معناه، فيتحول إلى فراغ مادام لا أحد يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه اختياره (فقد)"  ضلت العقول وتاهت الحلوم وصارت الأسباب وخسأت العيون وتصاغرت العظماء وتحيرت الحكماء وتقاصرت  الحلماء وحصرت الخطباء وجهلت الألبّاء وكلّت الشعراء وعجزت الأدباء وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله وأقرت بالعجز والتقصير ..."  ([14])
ولكي يقهر الكليني العقل حتى "ييأس" من فهم معنى الإمامة يروي بسنده عن الباقر قال :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن حديث آل محمد صعب مستصعب لا يؤمن به  إلا ملَك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان ..."  ([15])
وفي رواية عن الصادق قال:" إن حديثنا صعب مستصعب لا تحتمله إلا صدور منيرة أو قلوب سليمة أو أخلاق حسنة."  ([16])
وليشرح هذه الرواية ينسب الكليني إلى أبي الحسن صاحب العسكر قوله : إنما معنى قول الصادق أي : لا يحتمله ملَك مقرب ولا نبيّ ولا مؤمن، إن المَلك لا يحتمله حتى يخرجه إلى ملَك غيره والنبيّ لا يحتمله حتى يخرجه إلى نبيّ غيره والمؤمن لا يحتمله حتى يخرجه إلى مؤمن غيره فهذا معنى قول جدّي (ع)" ([17]) .
من الواضح أن هذه الرواية لا تزيد المعنى إلا خفاء، غير أن علماء الأمامية بعد الكليني يوغلون في حجبه 
ويكثفون احتجابه عندما ينقلون موضع الاحتجاج بمثله من إثبات الإمامة إلى التقية والكتمان، فيروي الصّفار عن أبي عبد الله قال:" إن أمرنا سرّ في سرّ، وسرّ مستسرّ ،وسرّ لا يفيد إلا سرّا ، وسرّ على سرّ، وسر مقنّع بسرّ" ([18]).
ويروي المجلسي عنه انه قال: إن أمرنا هو الحقّ، وحقّ الحقّ، وهو الظّاهر، وباطن الظّاهر، وباطن الباطن، وهو السّر، وسرّ السّر، وسرّ المستسرّ ، وسرّ مقنّع بسرّ." ([19])
لا يتعلق الأمر – في الحقيقة - هنا بالتقيّة والكتمان، كما يوهم بذلك الصفار والمجلسي، فالمقام مع الكليني مقام حجة، أي إظهار وبيان، غير أن الكليني عندما يمعن في إخفاء معنى الإمامة ، ويغيّب ملامح الإمام فيحوّله إلى ما فوق قدرات التعقل البشري، فإنما يهدف إلى إضفاء هالة من القداسة عليه ، والقداسة  في الأصل لا تتأتى إلا من الغياب ...ولكنه هنا غياب مزيف ..
في المستوى الثاني للعبة المعنى، يستخدم الكليني لإثبات الإمامة مصطلحي : " النص والإشارة ." ([20])
من المفترض أن اللَفظين يتقابلان في المعنى.. فالنّص يفيد المبالغة في الإظهار ([21])، و الإشارة تعني العلامة الخفيَة التي تترك معنى و تثبت يقينا في نفس المتلقي و النص مكتوب أو شفوي هو عبارة و الإشارة رمز ... و النص دلالة قائمة بذاتها و تفيد معناها و الإشارة مدلول على معنى سابق عليه وقائم بنفسه ....
من المؤكَد أنَ الإشارة و اللَفظ شريكان، " و ما أكثر ما تنوب الإشارة عن الَلفظ و ما تغني عن الخطَ"  ([22])- كما يقول الجاحظ - لكن غناها عنه ناتج عن معرفة قبلية بنص المعنى و أنها لا تفيد غيره،إذ على قدر وضوح الدلالة (دلالة النص) و صواب الإشارة ،يكون إظهار المعنى ،" وكلما كانت الدلالة أوضح وأفصح ، وكانت الإشارة أبين وأنور كان انفع وأنجع ([23]) ،و الدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان ، أي الظهور والجلاء أو المبالغة في الإظهار ." ([24])
إما عند الكليني في كتاب الحجة من الكافي ،فان النّص يتخذ معنى البيان اللفظي في شكل وصية مكتوبة ،لذلك ترد العبارات التالية في رواياته :" فدفع... كتابا ملفوفا ووصيّة ظاهرة ،...وصيّته ظاهرة في كتاب مدرج ،... استودع الكتب و الوصية ، ...حين سار إلى الكوفة استودع أمّ سلمة كتبه والوصيّة ،... هذه وصيتي بخطي ،...الوصية المنسوخة ..."
لكن الكليني لا يكشف مطلقا عن فحوى هذه الوصية الظاهرة المكتوبة ، و المرة الواحدة التي يورد فيها صاحب الكافي مضمون الوصية ، يسوقه بيانا قوليا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حقّ عليّ (ع)"من كنت مولاه فعلي مولاه ،- وبالزيادة-اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " ([25])
 وقال عليه الصلاة والسلام في حق الحسن والحسين :" أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي ، فاني سألت الله عزّ وجلّ أن لا يفرّق بينهما حتى يوردهما عليّ الحوض" ([26]).
 وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم كما يفيد الكليني هم من عناهم – عندهم – قوله تعالى : "إنما يريد ل يذهب عنكم الرّجس أهلَ البيت و يطهّركم تطهيرا "  ([27]) وذلك حتى لا يدعيها آل فلان وآل فلان " ،هكذا دون تصريح من الراوي  ([28]).
 أما في إثبات حجية إمامة غيره من الأئمة  ، من عليّ بن الحسين إلى المهدي محمد بن الحسن، فترد الوصية بمعنى الإشارة أو التعيين ويغيب النص مقولا أو مكتوبا. ولهذا يستخدم الكليني في مرويّاته عبارات :" فأشار إلى العبد الصالح ...، هذا والله قائم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم...، هذا صاحبكم فتمسك به... ، فأومأ إلى ابنه موسى ...، عليكم بهذا فهو والله صاحبكم بعدي...، هذا سيدهم وأشار إليك ...، علمنا انه قد أشار إليه بالإمامة وأقامه مقامه." ([29])
  ما يهمنا في هذا الموضع أن النص استحال إلى إشارة وصار مرادفا لها  ([30])، وأن الكليني كان صادقا عندما عنون لأبوابه بعبارة " الإشارة والنص على "(فلان) من الأئمة ،لأنه يعني بالنص التعيين .
 أما النص الجليّ والعبارة الواضحة والبيان الصريح والوصية الظاهرة - شفوية كانت أو مكتوبة – فلا وجود لها ولا أثر يدلّ عليها ، وهي التي روى الكليني في شانها " أن العالم عليه السلام قال ": إن الله عزّ وجلّ خلق النبيين على النّبوة، فلا يكونون إلا أنبياء ، وخلق الأوصياء على الوصية ،فلا يكونون إلا أوصياء "  ([31]).
 ونظرا لفقد هذا النص الجليّ ، يعمد الكليني إلى الإشارات الرّمزية والدلائل الخفيّة ليثبت الحجّة ويقيم البرهان على الإمامة ، فعن إمامة محمد الباقر ، يروي أنّه لمل حضر عليّ بن الحسين الوفاة .. أخرج سفْطا أو صندوقا عنده ، فقال :" يا محمد ، احمل هذا الصّندوق ... فلما توفي جاء إخوته يدّعون ما في الصّندوق فقالوا : اعطنا نصيبنا في الصّندوق  فقال : والله ما لكم فيه شيء ، ولو كان لكم فيه شيء ما دفعه أليّ"... ويضيف الرّاوي: "وكان في الصّندوق سلاح رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكتبه " ([32]) .
 و واضح أن هذه الإشارة الرمزية لم يفهم منها إخوة الباقر أنها دليل – لا ظاهر و لا خفيّ – على إمامته.
  وعن إمامة جعفر الصادق ، يروي الكليني أن الباقر قال :" إن من سعادة الرجل أن يكون له الولد يعرف فيه شبه خَلْقه وخُلُقه وشمائله ، واني لأعرف من ابني هذا شبه خَلقي وخُلُقي وشمائلي". – يعني أبا عبد الله - ([33]) .
  وعن إمامة موسى الكاظم يروي صاحب الكافي بسنده قال، قال الراوي:" دخلت على جعفر بن محمد في منزله فإذا هو...في مسجد له وهو يدعو وعلى يمينه موسى بن جعفر يؤمن على دعائه . فقلت له: جعلني الله فداك قد عرفت انقطاعي إليك وخدمتي لك فمن وليّ الناس بعدك ؟ فقال: إن موسى قد لبس الدرع وساوى عليه فقلت له:" لا أحتاج بعد هذا إلى شيء " ([34])
 وفي إشارة أخرى، عن صفوان الجمال قال: "سألت أبا عبد الله (ع) – جعفر الصادق – عن صاحب هذا الأمر فقال:" إن صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب ". و أقبل أبو الحسن موسى وهو صغير ومعه عَنَاق مكيّة وهو يقول لها:"اسجدي لربك ؟ " فأخذه أبو عبد الله وضمّه إليه وقال:" بأبي وأمّي من لا يلهو ولا يلعب " ([35]).
وفي إمامة الرّضا ، عن أبي الحسن موسى أنه قال : إن ابني عليّا أكبر ولدي وأبرّهم عندي وأحبهم اليّ وهو ينظر معي في الجفر ولم ينظر فيه إلا نبيّ أو وصيّ نبيّ " ([36]).
 وفي وصية الحسين لابنه علي ، روى الكليني أن الحسين لما حضره الذي حضره ، دعا ابنته الكبرى فاطمة ، فدفع إليها كتابا ملفوفا ، ووصيّة ظاهرة وكان علي بن الحسين مبطونا معهم لا يرون انه – يعيش - لما به ، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين ... فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم منذ خلق الله آدم إلى أن تفنى الدنيا، والله إن فيه الحدود حتى إن فيه ارش الخدش." ([37])

وفي وصية محمد الباقر لابنه جعفر، قال الصادق : إن أبي (ع) استودعني ما هناك، فلما حضرته الوفاة قال : ادع لي شهودا، فدعوت له أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر، فقال: اكتب هذا ما أوصى به يعقوب بنيه "يا بنيّ لا تموتن إلا وأنتم مسلمون" ([38]) وأوصى محمد بن علي إلى جعفر بن محمد وأمره أن يكفّنه في برده الذي كان يصلي فيه الجمعة وأن يعمّمه بعمامته وأن يربّع قبره ويرفعه أربع أصابع وأن يحلّ عنه أطمَاره عند دفنه. ثم قال للشهود: " انصرفوا رحمكم الله " فقلت: " يا أبت – بعدما انصرفوا – ما كان في هذا بأن تشهد عليه ؟ " فقال: " يا بنيّ كرهت أن تغلب وأن يقال: انه لم يوص إليه، فأردت أن تكون لك الحجة " ([39]).
   وفي وصية الكاظم لأبي الحسن الرضا: عن يزيد بن سليط قال: لما أوصى أبو إبراهيم (ع) أشهد... محمد بن جعفر بن سعد الأسلمي – وهو كاتب الوصية الأولى - ... إنّي قد أوصيت إلى عليّ وبنيّ بعدُ معه إن شاء وآنس منهم رشدا وأحب أن يقرّهم، فذاك له ، وان كرههم وأحب أن يخرجهم فذاك له، ولا أمرَ لهم معه ، وأوصيت إليه بصدقاتي وأموالي ومواليّ وصبياني .... وثلث صدقة أبي، وثلثي يضعه حيث يرى ويجعل فيه ما يجعل ذو المال في ماله، فان أحب أن يبيع أو يهب... أو يتصدق بها على ما سمّيت له وعلى غير من سمّيت له فذاك له، وهو أنا في وصيّتي في مالي وفي أهلي وولدي، وان يرى أن يقر إخوته الذين سمّيتهم في كتابي هذا أقرّهم، وان كره فله أن يخرجهم غير مثرّب عليه ولا مردود، فان آنس منهم غير الذي فارقتهم عليه فأحب أن يردهم في ولاية فذاك له وان أراد رجل منهم أن يزوّج أخته فليس له أن يزوجها إلا بإذنه ... وأمهات أولادي مَن أقامت منهن في منزلها وحجابها فلها ما كان يجري عليها في حياتي إن رأى ذلك، ومن خرجت منهن إلى زوج فليس لها أن ترجع إلى محواي إلا إن رأى عليّ غير ذلك، وبناتي بمثل ذلك ولا يزوج بناتي أحد من إخوتهن من أمهاتهن ولا سلطان ولا عمّ إلا برأيه ومشورته... وليس لأحد أن يكشف وصيّتي ولا ينشرها، وهو منها على غير ما ذكرت وسمّيت، فمن أساء فعليه ومن أحسن فلنفسه ... وصلى الله على محمد وآله  ([40]) .
ما ننتهي إليه إذن أن الوصية الظاهرة التي تفيد معنى الإمامة في الدّين و الدّنيا ، لا أثر لوجودها و لا برهان عليها ، إذ صار يَكتفَى فيها بمجرد الوصية العادية التي لم يَفهم منها جعفر الصّادق النّص على إمامته فسأل أباه الإمام الباقر مستغربا :"ما كان في هذا بأن تشهد عليه ؟ فقال :يابنيّ كرهت أن تُغلب ،وأن يقال :" انه لم يوص فأردت أن تكون لك الحجة ؟؟".
        نعم، توجد عبارات تلمح إلى مسألة الإمامة في بعض الروايات التي مرت بنا مثل:"...ربّ رحيم وإمام عليم ..."،" وقيام غيري مقامي ..."، "فأحَبّ أن يردهم في ولاية...".
لكن هذه التلميحات لا تُنشئ يقينا ، ولا تقيم دليلا على هذه المسألة في عقول أبناء الأئمة من الذين تدّعي روايات الكليني أنهم سيرثون آباءهم في مقام الإمامة بعدهم ،ولا في عقول أقرب الناس قرابة إلى الأئمة،و أكثرهم ولاء لهم، مما اضطره إلى عقد باب بعنوان :" باب ما يفصل بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة تخلى فيه عن إثباتها بالنّص  ليدّعي الدليل عليها بالمعجزة .

3- المعجزة وغياب النّص:
روى الكليني في كتاب الحجة بسنده عن أبي جعفر (ع) قال:" لما قتل الحسين (ع) أرسل محمد بن الحنيفة إلى علي بن الحسين (ع) فخلا به فقال : يا ابن أخي قد علمت ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دفع الوصية والإمامة من بعده إلى أمير المؤمنين (ع) ثم إلى الحسن (ع) ثم إلى الحسين (ع) وقد قتل أبوك رضي الله عنه ولم يوص، وأنا عمك وصنو أبيك و ولادتي من عليّ، في سنّي وقديمي أحق بها منك في حداثتك، فلا تنازعني في الوصية والإمامة ولا تحاججني . فقال له علي بن الحسين (ع) : يا عم اتق الله ولا تدّعي ما ليس لك بحق إني أعظك أن تكون من الجاهلين، إن أبي يا عمّي أوصى إليّ قبل أن يتوجه إلى العراق وعهد إلي بذلك قبل أن يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندي فلا تتعرض لهذا فاني أخاف عليك نقص العمر وتشتّت الحال إن الله عزّ وجلّ جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين (ع) فإذا أردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك.
    قال أبو جعفر (ع) وكان الكلام بينهما بمكة، فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود فقال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية : " ابدأ أنت فابتهل إلى الله عزّ وجلّ وسله إن ينطق لك الحجر ثم سل " . فابتهل محمد في الدعاء وسأل الله ثم دعا الحجر فلم يجبه. فقال علي بن الحسين (ع) : يا عم لو كنت وصيّا وإماما لأجابك ". فقال له محمد:" فادع الله أنت يا ابن أخي وسله ". فدعا اللهَ عليّ بن الحسين (ع) بما أراد ثم قال : "أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الناس أجمعين لما أخبرتنا من الوصيّ والإمام بعد الحسين بن علي (ع) قال :"فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه ثم أنطقه الله عز وجل بلسان عربيّ مبين فقال : "اللهم إن الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي (ع) إلى علي بن الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله . فقال :" فانصرف محمد بن علي ( بن الحنيفة ) وهو يتولى علي بن الحسين (ع) " ([41]).
     وفي رواية شبيهة، عن الصادق قال : كان زيد بن الحسن يخاصم أبي في ميراث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويقول : أنا مِن وِلْد الحسن وأولى بذلك منك لأني من وَلَد الأكبر، فقاسمني ميراث رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وادفعه إليّ " فأبَى أبي ... فلما انطلقا إلى القاضي قال أبي : يا زيد ، إن معك سِكّينة قد أخفيتها، أرأيتك إن نطقت هذه السِكّينة التي تسترها منّي فشهدت أني أولى بالحق منك ، أفتكف عنّي؟؟ قال : نعم ، وحلف له بذلك . فقال أبي : أيتها السِكّينة انطقي بإذن الله، فوثبت السِكّينة من يد زيد بن الحسن على الأرض، ثم قالت : يا زيد أنت ظالم، ومحمد أحقّ منك وأولى، ولئن لم تكف لَألِينّ يا زيد قتلك، فخرّ زيد مغشيّا عليه ، فأخذ أبي بيده ، فأقامه ثم قال :" يا زيد إن نطقت الصخرة التي نحن عليها أتقبل ؟ قال : نعم ، فرجفت الصخرة التي مما يلي زيدا ، حتى كادت تعلق ، ولم ترجف مما يلي أبي ، ثم قالت :يا زيد أنت ظالم ، ومحمد أولى بالأمر منك ، فكفّ عنه وإلا وليت قتلك ؟ فخرّ زيد مغشيا عليه، فأخذ أبي بيده وأقامه، ثم قال: يا زيد، أرأيت إن نطقت هذه الشجرة وتسير إليّ أتكفّ ؟ قال: نعم . فدعا أبي الشجرة فأقبلت تخدّ الأرض حتى أظلتهم ،ثم قالت : "يا زيد ،أنت ظالم ، ومحمد أحق بالأمر منك ،فكف عنه وإلا قتلتك ، فغشي على زيد،فأخذ أبي بيده ، وانصرفت الشجرة إلى موضعها ، فحلف زيد أن لا يعرض لأبي ولا يخاصمه ، وخرج من يومه إلى عبد الملك بن مروان ،فدخل عليه وقال : أتيتك من عند ساحر كذّاب لا يحلّ لك تركه ،وقصّ عليه ما رأى ، وكتب عبد الملك إلى عامل المدينة ، أن ابعث إليّ محمد بن علي مقيّدا ، وقال لزيد : أرأيتك إن وليتك قتله  قتلته ؟ قال : نعم ؟" ([42]).

       ليست فرادة الروايتين في جريان المعجزة على يد الوصي المعصوم ، فمثل هذا الشأن لا تخلو منه روايات كثيرة في الكافي تحديدا ([43]) وإنما امتيازها يكمن في خفاء النّص بالكلية عن القرابة القريبة من الإمام (عمّه في الحالة الأولى خاصّة) ،و الاحتكام إلى الدليل المادي /الحسّي – بقطع النظر عن صدقه – مما يحوّل الحجّة من النص إلى المعجزة ، الأمر الذي ينفي دعوى تواتر النص، ويحيل إلى طرح مسألة : أيهما كان ابتداء: وضع النص لتثبيت الدليل العقلي على وجوب إمامة المعصوم ، أم بناء الدليل العقلي على قاعدة النص ( الموضوع ).أم أن المسألة لا تخضع بالضرورة إلى هذه الثنائية ..؟

4- النّص الجليّ والنصّ الخفيّ:
مبدئيا، من الضروري التذكير بأن أول أبواب كتاب الحجة من الكافي هو بعنوان "باب الاضطرار إلى الحجة، وقد ساق فيه الكليني روايات عن مناظرات لبعض متكلمي الامامية، فيها يفحمون خصومهم ويضطرونهم عقليا إلى الحجة / الإمام. ثم عند الانتقال .
إلى أبواب " النص والإشارة على إمامة ( فلان ) من الأئمة " لم يورد الكليني نصّا مطلقا إلا في مقام "إثبات" إمامة عليّ رضي الله عنه. و ما ذكره في الأبواب الموالية إنما هو مداورة بين النص/ التعيين، والإشارة الرّمزية، والوصية العادية، وصولا إلى الاستدلال بالمعجزة.
  ولا التفات إلى ما يورده الكليني من آيات القرآن الكريم فهو إما أن يحرّفها أو يفسّرها على طريقة " نزل القرآن بايّاك أعني واسمعي يا جارة " ([44]).
   إن غياب النص عموما، والنص الجليّ خصوصا، حقيقة لم تكن غائبة عن كبار علماء الامامية . يقول الشيخ المفيد : " ... فان قال قائل من أهل الخلاف إن النصوص التي يرويها الامامية موضوعة والأخبار بها آحاد،  و إلا فليذكروا طرقها أو يدلوا على صحتها بما يزيل الشك والارتياب ...قيل له : ليس يضير الامامية في مذهبها الذي وصفناه عدم التواتر في أخبار النصوص على أئمتهم ، ولا يمنع من الحجة لهم بها كونها أخبار آحاد ، لما اقترن إليها من الدلائل العقلية ... من وجوب الإمامة وصفات الائمة، لأنها ( أي الدلائل العقلية ) لو كانت باطلة على ما يتوهم  الخصوم لبطل  بذلك دلائل العقول الموجبة لورود النصوص على الائمة بما بيّناه. "  ([45])
   ما نفهمه من قول المفيد هو أن دلائل العقل هي التي أوجبت وجود النص على الإمام، كما أوجبت وجود الإمام ( الحجّة ) نفسه، لأن الإمامة لطف الهي، واللطف واجب في الحكمة على الله تعالى "  ([46])
وليس من اللطف أن يوجب الإمامة ولا يدل عليها بالنص أو بغيره ( المعجزة مثلا )، وبهذا يكون الدليل العقلي سابقا على وجود النص، بل ومؤسّسا له.
لكن،-  وفي المقابل- ، هل يمكن لفكرة كهذه ( الامامية) أن تنشأ من فراغ، وأن تستوطن العقول دون دليل أو شبهة دليل؟ أعني دون نص أو شبهة نص تشرع للعقل الامامي ما بات يعتقده يقينا دينيّا وأصلا شرعيّا؟
   في تقسيمه لطبيعة النص على الإمامة، يقول الشريف المرتضى في كتابه الشّافي:
    " النص: ما علم سامعوه من الرسول- صلى الله عليه وسلم - مراده منه باضطرار، وان كنا الآن نعلم ثبوته والمراد منه استدلالا، وهو النص الذي في ظاهره ولفظه الصريح بالإمامة والخلافة، ويسميه أصحابنا : النّص الجليّ، كقوله : " سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين " ، " وهذا خليفتي فيكم من بعدي فاسمعوا له و أطيعوا "
   والقسم الآخر: لا نقطع على أن سامعيه من الرسول - صلى الله عليه وسلم - علموا النص بالإمامة اضطرارا، ولا يمتنع عندنا أن يكونوا علموه استدلالا من حيث اعتبار دلالة اللفظ، وما يحسن أن يكون المراد أو لا يحسن.
فأما نحن فلا نعلم ثبوته أو المراد منه إلا استدلالا، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي " و " من كنت مولاه فعليّ مولاه '' وهذا الضرب من النّص هو ما يسميه أصحابنا "النص الخفيّ "  .                                                                                           الضرب الأول : النص الجليّ تفرد بنقله الشيعة الامامية خاصة .
والضرب الآخر، رواه الشيعي والناّصِبي، وتلقاه جميع الأمة بالقبول على اختلافها، ... وان كانوا قد اختلفوا في تأويله وتباينوا في اعتقاد المراد منه، وهو النص " الموسوم بالخفيّ "  ([47])
ملخص كلام صاحب الشافي : هو وجود نصّ صحيح تلقته الأمّة بالقبول، لكنه خفيّ أو غير صريح في الدلالة على وجوب الإمامة لعليّ، أو الوصية له بها من النبي- صلى الله عليه وسلم-، وهذا النص يوقع مجرّد الشّبهة، ولا يلزم من الاحتجاج به حصول المراد منه لأن ذلك المراد غير متعيَّن، لذلك اختلفت الأمة في فهم معناه، وتباينوا في تأويله ... ، و وجود نصّ صريح وجليّ يدل على ذلك المراد – أي الإمامة لعليّ – ولكن هذا النّص ضعيف، وتنفرد الشيعة بروايته، وهو أيضا نصّ لا يصلح للاحتجاج به على نفس المراد منه إلا بين الشيعة أنفسهم لأن غيرهم لا يروونه، أو لأنه لا يصحّ عندهم.
يلحظ المتأمل بتأن في عبارات الشريف المرتضى مُخاتَلة في التعاطي مع المسألة، إذ من أين علم أن الصحابة لما سمعوا النص الجليّ باللفظ الصريح علموا منه باضطرار دلالته على خلافة عليّ وإمامته، والحال أن هذا النص الجليّ إنّما تنفرد الشيعة بروايته ولم يثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - انه قاله باللفظ الذي ترويه الشيعة، هذا إن لم يكن النصّ نفسه موضوعا  مكذوبا أو خبر آحاد-على افتراض صحته - لا تقوم الحجّة به على أصل من أصول الدين كالإمامة لانعدام تواتره كما مرّ بنا في قول المفيد ([48]).
ثم مادام النص الخفيّ الذي تلقته الأمة بالقبول و "رواه الشيعي والنّاصبي " كما يقول الشافي، واختلف الصحابة في تأويله وتباينوا في تحديد المراد منه، فمن أين استقام للشيعة ترجيح إحدى دلالاته على الأخرى؟ والحال أنه لم يرو لنا أن الصحابة قد اختلفوا في فهم معنى ذلك النصّ الخفيّ، ولا نقل إلينا تنازعهم في تأول دلالاته اللفظية حتى يستوي لمن بعدهم ترجيح إحداها على غيرها، ومادام النص خفيا ألم يكن الأولى فهمه كما فهمه الصحابة دون افتراضات عقلية لا تزيد على أن تكون شبهات بعديّة في الزمن تصادر الحاضر بتصدير مآزقها نحو الماضي؟  ([49])

5- الإمامة: التاريخ والعقل والأسطورة.
    يعتقد الجاحظ ضمن رسائله فصلا أو كتابا بعنوان فضل هاشم على عبد شمس، وبيّن من العنوان مآلات المفاضلة التي عقدها صاحب الرسائل بين الفرعين الكبيرين لقريش.
وهذا الفضل عائد بالأساس عند الضمير الجمعي الإسلامي – لا عند الجاحظ فقط – إلى اعتبارات القرابة و النبوة
والسابقة في الإسلام التي كانت ضمن فرع بني هاشم، في حين مثل الأمويّون النواة الصلبة لمعاداة دين التوحيد في بواكيره الأولى.

   يلاحظ المتأمل في هذه المفاضلة وجود مفارقة نوعية تاريخية، يهمل الجاحظ الإشارة إليها لسبب منهجي يتعلق بموضوعه، وهو المفاضلة بين الفرعين المذكورين.
  
    تتمثل هذه المفارقة الموضوعية في أن بني أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم - وهم الفرع الذي يؤول إليه صنع التميّز الذي رفع منزلة بطن الهاشميين جملة على بني أمية، وهم أيضا الفرع الذي دفع ضريبة هذا الفضل التاريخي - لم ينعموا بالخلافة ولا سَعدوا بأمجادها وخيراتها ... إن كان في ذلك نعمة وسعادة.
   يقول أبو عثمان الجاحظ :" وتفخر عليهم بنو هاشم بأن سنيّ ملكهم أكثر ومدته أطول ... ويفخرون عليهم بأنهم ملكوا بالميراث وبحق العَصَبة والعمومة، وأن ملكهم في مغرس نبوة ... وليس لبني مروان فيها سبب ولا بينهم وبينها نسب، وأسباب الخلافة معروفة، وما يدعيه كل جيل معلوم، والى كل ذلك قد ذهب الناس، فمنهم من ادّعاه لعلي لاجتماع القرابة والسابقة و"الوصية" ، فان كان الأمر كذلك فليس لآل أبي سفيان ولا لآل مروان فيها دعوى، وان كانت إنما تنال بالوراثة وتستحق بالعمومة وتستوجب بحق العَصَبة، فليس لهم فيها دعوى، وان كانت لا تنال إلا بالسوابق والأعمال والجهاد، فليس لهم في ذلك لا قدم مذكور ولا يوم مشهور ..." ([50])

  ومن ناحية جور بني أمية يقول الجاحظ:
"فكان جزاء بني هاشم من بنيه (يعني بني أمية) أن حاربوا علياّ، وسمّوا الحسن وقتلوا الحسين وحملوا النّساء على الأقتاب حواسر وكشفوا عن عورة عليّ بن الحسين حين أَشكَل عليهم بلوغه كما يصنع بذراري المشركين إذا دُخِلت دورهم عنوة ... وقتل عبيد الله بن زياد يوم الطّف تسعة من صلب علي وسبعة من صلب عقيل ... ([51])

   بيّن إذا أن فضل بني هاشم على بني أمية مرده أساسا إلى فضل آل أبي طالب، فهم أهل السابقة والجهاد في الإسلام، وهم أهل التضحية والثورة على جور سلطان بني أمية عموما ... وإذا كان بنو العباس يفخرون على خصومهم من الأمويين بطول سنيّ ملكهم الذي بلغ زمن كتابة رسالة المفاضلة أربعا وتسعين سنة ([52])، فان "ملك" آل أبي طالب لم يبلغ ثماني سنوات إذا جمعنا خلافة علي والحسن رضي الله عنهما.
واذا قارنا بين آل أبي طالب وبني العباس وبني أميّة، فان الأولوية في تولي الخلافة بحسب الفضل تكون لعليّ وبنيه من جهة السابقة والبذل في الإسلام، ومن جهة الثورة والتضحية طيلة خلافتي بني أمية وبني العباس، وتظل فاجعة كربلاء - وما ارتكب من ظلم بشع في حق آل بيت الرسول – صلى الله عليه وسلم - ماثله بقوة في تاريخ الإسلام . هذا مع اجتماع النسب والحسب والعلم والوجود ...
والسؤال الذي يطرح، هو:" ما الذي منع هؤلاء الناس من أهل الفضل والسابقة من بلوغ الخلافة والمكث فيها؟ مع أهليتهم لها ؟ ".

   هل كان مثل هذا السؤال يراود خواطر الشيعة بل ويلح عليهم في الإجابة؟ لا شيء يمنع من ذلك عقلا؟؟ ولا يبعد أن تكون الاحتمالات الواردة على الخواطر كثيرة ؟؟ وأن تكون افتراضات الإجابة عديدة ... والأفكار عموما تتسارع في الذهن، ويتم ترتيبها أولا بأول، فتبنى مقدمات وتستخلص نتائج ويجاب عن تساؤلات ؟؟
من الإجابات المحتملة عن سؤالنا المركزي : ما الذي منع أهل البيت ذوي الفضل والسابقة والعلم والقرابة  من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أن يتبوؤوا حكم الناس؟

الإجابة المحتملة هي الاستبداد الناتج عن الملك العضوض القائم بدوره على الوراثة.
هذا الملك العضوض ([53]) نشأ بتولي بني أميّة السلطة بالقوة دون مشورة المسلمين، وحدث ذلك اثر الصّلح بين الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان .
ومعاوية هو الذي أفسد على الحسن - ومن قبله أبيه عليّ - الخلافة فيما يعرف بالفتنة الكبرى. وما كان لمعاوية أن تكون له هذه المكانة والقوة لولا مكوثه على ولاية الشام حينا طويلا من الزمن، مما مهّد له أسباب المنافسة على السلطان دون "وجه حق"، ضمن ظروف مقتل عثمان وخروج طلحة والزّبير على عليّ.

   والذي مكن معاوية من هذه القوة، سكوت عثمان عنه. ثم إن الذي ولاه الشّام هو عمر بن الخطاب فيكون هو الذي مهّد له أسباب المنافسة لعلي.
هذا فضلا عن أن عمر بتوليته عثمان بطريق غير مباشرة – حيث جعل الشورى في ستة، وجعل الصوت الحاسم لعبد الرحمن بن عوف – قد قلّص حظوظ عليّ في بلوغ الخلافة، وبنفس التداعي التاريخي المباشر، فان الذي ولّى عمر شأن المسلمين بالوصيّة هو أبو بكر الذي كان قد تعاون معه على الانفراد بالسلطة، فلم يشاور فيها المسلمين، واستبعَد أهل البيت من المشاركة في اجتماع السقيفة لانشغالهم بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
ولو ولّيَ علي ثم أبناؤه من بعده – وهم أهل لذلك لما آلت أمور المسلمين إلى النتائج  التي باتت معروفة في التاريخ .

    هكذا يجاب عن السؤال الرئيسي الذي طرحناه آنفا، بقراءة التاريخ على طريقة "لو" المشروطة بما يريده هوى النّفْس المكلومة بآلام الماضي والحاضر. وبعيدا عن حقيقة الأحداث وجريان المقادير ...

وليس هذا مجرد استنتاج أو محاولة لمحاكاة العقلية الشيعيّة في تعاطيها مع التاريخ ،بل هو عين ما يفكر فيه الشيعة ويعتقدونه ،ودون تضخيم منا .

    قال المجلسي : روي في بعض مؤلفات أصحابنا ...عن المفضل بن عمر ([54]) قال : "...إن الشيخين أبا بكر وعمر يتحملان كل المآسي التي حدثت منذ بدء الخليقة من قتل هابيل عليه السلام ،وصلب عيسى – كذا –عليه السلام ..وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وضرب الصديقة بالسوط ورفس بطنها ...وقتل الحسين وذبح أطفاله ...و إراقة دماء آل محمد – صلى الله عليه وسلم – وكل دم سفك، وكل فرج نكح حراما...وكل خبث وفاحشة وإثم وظلم وجور إلى قيام القائم وأن المهدي يعدّد ذلك عليهما ويلزمهما إياه. ([55])
 وفي شرحه لقول الراوي :"ويلزمهما إياه " يقول المجلسي :" العلة والسبب في إلزام ما تأخر عنهما من الآثام عليهما ظاهر ،لأنهما بمنعهما أمير المؤمنين عليّ (ع) عن حقّه ،ودفعه عن مقامه،صارا سببين لاختفاء سائر الأئمة ومغلوبيتهم ،وتسلط أئمة الجور وغلبتهم إلى زمان القائم ،وصار ذلك سببا لكفر من كفر ،وضلال من ضل ،وفسق من فسق ،لأن الإمام مع اقتداره واستيلائه وبسط يده ،يمنع من جميع ذلك ،وعدم تمكين أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - من بعض تلك الأمور في أيام خلافته إنما كان لما أسّسَاه من الظلم والجور." ([56])

    إن هذا الاعتقاد في الشيخين وتحميلهما كل المساوئ التاريخية ،لا يعود إلى زمن المجلسي ، ولا هو ينفرد به عن سائر أساطين علماء الشيعة ،بل هو موغل في القدم ويشاركه فيه كبار القوم عندهم فقد روى الكليني في الرّوضة ، عن الكميت بن زيد لأسدي قال : دخلت على أبي جعفر (ع) ...فقال- أي الكميت - :" خبرني عن الرجلين ،قال : فأخذ الوسادة فكسرها في صدره ثم قال – أي الباقر- : والله يا كميت ،ما أهريق محجمة من دم ولا أخذ مال من غير حله ولا قلب حجر عن حجر إلا ذاك في أعناقهما " ([57]).

  هذا هو التصور الشيعي للتاريخ، كل الفساد والأحداث في الأرض من يوم خلق الله آدم عليه السلام إلى يوم ظهور المهدي سببه : نكران الوصية بالإمامة إلى أهل البيت، ولك أن تتخيل ما تشاء من تلك الأحداث – جلّت أو صغرت – وعليك أن تدرك أن العامل الرئيسي والوحيد لوجودها وظهورها هو نكران تلك الوصية التي لم يتمكن الشيعة من إثباتها بنصّ جليّ كما مر بنا آنفا.


   أما الملجأ الثاني لإثبات الإمامة عندهم فهو العقل. وفي كتاب الحجّة من الكافي يعقد الكليني بابا أولا بعنوان" باب الاضطرار إلى الحجة "– وهو اضطرار عقلي – كما أراده المؤلف، وفيه أورد خمسة نصوص تحاجّ " عقلا" للبرهنة على وجوب الإمامة.

فالنص الأول فيه إثبات الدليل على بعثة الأنبياء والرسل، ولكن الراوي عن أبي عبد الله (ع) تجاوز الإجابة عن أصل السؤال ليلحق به " الكلام " عن الأئمة "الأوصياء"، دون أن يمهد لذلك بدليل، أو يقيم الحجة على اصطفائهم، سوى وُلُوجَه باب "الاسطرة" حين يصفهم بالبشرية "خلقا وتركيبا"، ويرتفع بهم فوق الآدمية "بالحكمة والأحوال" ، ثم يوهم قارئه بأن "الدلائل والبراهين التي أتى بها الأنبياء والرّسل قد دلّت على إمامتهم في كل دهر وزمان ، وبذلك لم تخل أرض الله من حجّة له على عباده ذي علم على صدق مقالته وجواز عدالته " ([58])

وهذا مردود بخلو الأرض منذ الغيبة الكبرى التي زُعِمت ، بل إن زمن خلو الأرض من الإمام كان أطول من وجوده فيها، إن سلمنا تجوزا بذلك الوجود.
 والرواية لا تصح سندا ، فقد علق عليه المجلسي في مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول بقوله : "مجهول " ([59]).
          والنص الثاني فيه استخدام للمقايسة العقلية بين العالم بالقرآن علما كليا ومَن دونه علما، وإيجاب الإمامة للعالم، إذ بعلمه التام " تفترض طاعته، ويستدل على حجيّته الناسُ بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وبذلك تَصْرف الخصومة بالقرآن عن المختلفِين في معانيه، لأن اختلافهم ناتج عن انعدام تمام معرفتهم به. " فاذا وُجِد العارف بكليته كان حجّة مفترض الطاعة قَيّما على القرآن الكريم وهذا لم يثبت إلا في عليّ" ([60]).
و عن هذه الحجّة يقول قاضي القضاة عبد الجبار:
" وقد ذهبت الامامية إلى أن الإمام إنما يُحتاج إليه لتُعرف من جهته الشرائع، والذي يدل على فساد مقالتهم هذه، هو أن الشرائع معروفة أدلتها من كتاب الله تعالى وسنة الرسول عليه السلام وإجماع أهل البيت وإجماع الأمة، فأي حاجَة إلى الإمام؟ وفيهم من قال بأن الحاجة إلى الإمام هو لأنه لطف في الدّين وذلك مما لا دلالة عليه. وبعد، فكيف يجوز أن يغيب الإمام عن الأمة طوال هذه المدة،  مع كونه لطفا في الدين، ومع أن الحاجة إليه بهذه الشدة؟ " ([61])
   ونفس هذه الحجة الأخيرة صالحة إلى يوم الناس هذا. يضاف الى ذلك أن هذه الرواية ضعيفة السند فقد قال عنه المجلسي : مجهول ([62]) .

    والنص الثالث هو نص مناظرة بين هشام بن الحكم وعمرو بن عبيد : تناول مسألة المعرفة الحسية، وأن الجوارح ترد الأمر إلى القلب ( العقل ) حال الشّك فيما يرد عليها من شم ّو رؤية و مذاق وسماع ،   " فبالقلب يُستَيقن اليقين ويبطل الشك "
ثم ألزم هشام عمرو بن عبيد بأنه إذا كان الله تعالى " لم يترك الجوارح حتى جعل لها إماما يصحّح لها الصحيح ويُتيقن به ما شك فيه، فكيف يترك سبحانه الخلق كلّهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم ولا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم وحيرتهم ؟" ([63])
ومع أن المسألتين مختلفتين من حيث الطبيعة والماهية فهذه مادية جِبِلّية، والثانية نظرية عقلية، فان النص الوارد في كتاب الحجّة لا يقيم وزنا لهذه المفارقة ويغضي عنها حين يجري القياس بينهما من دون اعتراض من عمرو بن عبيد ، ليلزمه في الأخير بالسكوت اضطرارا " لقوة الحجة ".
ثم إن حكم العقل على عمل الحواس في حالة الصحة والسلامة ، هو حكم صحيح ولا تتضاد فيه العقول، فان الطّعم إذا كان ملحا أجاجا لم يشك فيه أحد، والشم إن كان طيبا زكيا لم تختلف فيه النفوس ( القلوب) فالحجة ليست في حكم العقل وإنما فيما تنقله الحواس إلى العقول، فان شكها يورث الشك ويقينها يثبت اليقين .
أما مسائل العقول، التي منها الإمامة فهي ظنية خلافية في ذاتها، واختلاف العقول فيها دليل ذلك، ولو كانت من المسائل العقلية الصارمة أو البديهيات الأولى  ([64])لاتفقت عليها العقول، هذا من حيث وجوب الإمامة، فما بالك إذا تعلق الأمر بتحديد الإمام نفسه؟
والروية ضعيفة السند أيضا فقد قال المجلسي في مرآة العقول : "مجهول" ([65]).

   أما النص الرابع فهو مناظرة بين هشام بن الحكم ورجل شامي – لا يدرى من هو – في حضرة أبي عبد الله جعفر الصادق ، مفادها أن هشاما يلزم خصمه بأن الله تعالى هو "أنظر لخلقه،حيث أقام لهم حجّة ودليلا كي لا يتشتتوا ويختلفوا ،يتألفهم ويقيم أودهم ويخبرهم بأمر ربهم ...وهذا الحجّة هو رسول الله – صلى الله عليه وسلم - .
فلما سأله الشّامي عن الحجّة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، قال هشام: هذا القاعد الذي تشدّ إليه الرّحال ويخبرنا بأخبار السماء والأرض وراثة عن أب عن جدّ ، وأشار إلى أبي عبد الله الصادق ،فلما سأل الشّامي قائلا : وكيف لي أن أعلم ذلك ؟ أجابه هشام: " سله عما بدا لك ".
 فلما همّ الشامي بالسّؤال، أقبل عليه أبو عبد الله مبادرا:" يا شامي، أخبرك كيف كان سفرك وكيف كان طريقك ؟ كان كذا وكذا ...؟" فأقبل الشّامي يقول:صدقت أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمّدا رسول الله وأنك وصيّ الأوصياء " ([66])
وهذه الرواية مردودة بأنه: إذا كان الإمام يدفع الاختلاف فما بال الاختلاف مازال قائما إلى يوم الناس هذا ؟
ثم لنفرض أن هناك قيّما للقرآن، وذلك القيّم هو الإمام الحجّة – كما يدعون -، والآن حيث لا إمام قائما ولا صامتا؟؟ فماذا نفعل هل يجب الاحتكام إلى القرآن أم ننتظر الحجة القائم؟
 ثم إننا رأينا أن الذين اتّبعوا الإمام واعتبروه حجة قد تفرقوا فرقا (من الشيعة نفسها ) كالإسماعيلية و الجعفرية... وكل واحد منهم يستدل بقول الإمام عليّ على خصمه . فكما احتاج القرآن إلى قيّم، كذلك صار الإمام يحتاج إلى قيّم، لان الغاية من وجوده قد انتفت وهي قطع الاختلاف بين الناس، ولا يزالون مختلفين ؟
و الحديث مرسل كما يقول المجلسي والكليني نفسه ، حيث يرويه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عمّن ذكره عن يونس بن يعقوب ...وصيغة السند تفيد الانقطاع ما بين إبراهيم القمي ويونس بن يعقوب ،وهو ما تصطلح عليه الشيعة بالمرسل ([67]) .
 أما النص الأخير –وهو الخامس – فيذكر مناظرة بين زيد بن عليّ بن الحسين المعروف بالسّجاد – زين العابدين- وأبي جعفر الأحول الملقب عند الشيعة مؤمن الطّاق ، ومفاده أن زيد بن علي بعث إليه وهو مستخف يستنصره في خروجه على الأموييّن فكان من جوابه :"...إن كان أباك أو أخاك خرجت معه ...فان كان لله في الأرض حجة فالمتخلف عنك ناج والخارج معك هالك، وان لا تكن لله حجّة في الأرض فالمتخلف عنك والخارج معك سواء ."
 فقال زيد:" يا أبا جعفر كنت أجلس مع أبي على الخوان فيلقمني البَضْعة السّمينة و يبرد لي اللّقمة الحارّة حتى تبرد شفقة علَيّ ، ولم يشفق عليّ من حرّ النار إذا أخبرك بالدين ولم يخبرني به ؟".
 فقال الأحول "... من شفقته عليك من حرّ النار لم يخبرك خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار وأخبرني أنا فان قبلت نجوت وان لم أقبل لم يبال أن أدخل النار...ثم قال : أنتم أفضل أم الأنبياء ؟ قال زيد : بل الأنبياء . قال : يقول يعقوب ليوسف :" يا بنيّ لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا " ([68])، لِمَ لَمْ يخبرهم حتى كانوا لا يكيدونه ،ولكن كتمهم ذلك ، فكذا أبوك كتمك لأنه خاف عليك .
قال زيد:" أمَا والله لئن قلت ذلك لقد حدّثني صاحبك – يعني محمدا الباقر – بالمدينة أني أُقْتل وأُصْلب بالكُناسة ، وان عنده لصحيفة فيها قتلي وصَلبي "
وهذه الرواية فيها مغالطة لأن كتمان يوسف عليه السلام رؤياه عن إخوته لم يكن أمرا مخالفا لأمر الله تعالى ولا يجب إظهاره ، أما بيان الدين الحق وإظهار الحجّة ،والتعريف بالإمام الذي  "من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية " ([69])،خصوصا من رجل كالإمام السجاد لابنه الإمام زيد كان واجبا وكتمانه كان حراما ، ثم إن هذا الأحول الملقب بمؤمن الطاق  -عندهم – يدّعي ثقة الإمام السّجاد به ويمنعها عن ولده زيد لأنه يقول له :" انك لو عرضت عليك الحجة وأظهرت لك الحقّ لم تكن لتقبل فكنت ستدخل النار ، أما أبوك زين العابدين السجاد فكان يثق بي ولذا أعلمني بحجية الباقر وأحقيته . ويتبين من ذلك أن إمامة الباقر ووالده من قبله كانتا من اختلاق الشيعة ، وإلا فكيف لا تعرفها أسرة الرسول – صلى الله عليه وسلم – وعترته كزيد بن علي رضي الله عنه ؟.
 ولنتنين مدى الدس في الرواية ، نذكر أن الباقر قال في شأن أبي جعفر الأحول : " قيّاس روّاغ تكسر باطلا بباطل إلا أن باطلك أظهر ؟" ([70])  وهذه شهادة منه كافية في بيان حال الأحول . يضاف إلى ذلك أن في تصحيح سند الرواية اختلافا بين علماء الشيعة ، فقد علق المجلسي عليه بقوله : موثّق كالصّحيح ،وقال البرقعي : سنده في غاية الضعف لوجود علي بن الحكم  - راوي سلسلة الحمار- فيه" ([71]) .
 
    لقد كانت الشرعية التاريخية –في قراءة الشيعة – تحتاج إلى رافد العقل كي يقوّي حجّتها ويسند برهانها ، غير أن المسألة لما كانت ظنية اجتهادية لم يتيسر للعقل إثباتها لأنها في الأصل كانت تحتاج إلى النصّ للدلالة عليها والاحتجاج لها ، أما العقل في مثل هذه الأمور فلا يكون إلا منافحا عن النّص متى كان قطعي الورود والدلالة . ولهذا نجد نصوص الكليني الخمسة – وكلها ضعيفة من حيث السند – تلتوي على أصل المسألة – أعني الإثبات العقلي في الاضطرار إلى الحجة – لتستنجد بالأسطورة في الإقناع بالإمامة.

   لماذا الأسطورة وليست المعجزة ؟
المعجزة يجريها الله تعالى على أيدي الأنبياء والرسل عليهم السلام، وهي تقبل التحدي عادة لأنها تكون من جنس ما يتقنه القوم الذين يراد إقامة الحجّة عليهم. وهي دليل صدق الرسل ، حيث تطمئن القلوب بمشاهدتها ، إذ الدليل الحسّي أظهر في النفس لأنه يورث العلم الضروري الذي به يحصل اليقين الذي لا دافع له .
أما الأسطورة فهي تشكل منظومة تفسيرية، لأنها تشرح كل ظاهرة وتحلّ كل إشكال فيها، فلا يوجد سؤال من دون جواب جاهز سلفا في التّصور الأسطوري.
وأسطورة الإمامة تعالج مشكلات الإمامة كما يسطرها الخيال الشيعي المتوهم ،وهي تتدرج من البسيط إلى المركب ،ومن المفرد إلى المعقد ،وكلما أوغلت في "الأسطرة" ازدادت احتياجا إلى الإجابات المتخيلة ،وكلما اشتد ضغط الواقع المرئي تمددت في الهروب إلى العالم اللامرئي .
فالإمام عند القوم يعلم الغيب وجوبا، "وأي إمام لا يعلم ما يغيبه – كذا- والى ما يصير فليس ذلك بحجة الله على خلقه " ([72]). وإنما صير إلى هذا القول لأن النصّ على الإمامة (بالمعنى الشيعي ) لم يثبت ، ودليل العقل لم يكن  مقنعا ولا صارما ، فان اكتُفي به استوت إمامة علي مع إمامة مَن تولى شأن المسلمين قبله ، فلم تكن لهم حجّة على أحقيته بها ، وصار ذلك مطعنا في إمامة أبنائه بعده ،لذلك قيل" إن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء" وأولهم عليّ الذي "علّم الأحرف التي يفتح كل حرف ألف حرف وكل باب ألف باب " ،- وحتى لا يدّعي أحد أن هذا العلم قد انقضى وفات زمانه – استبقوا الدعوى فقالوا : "ما خرج منها حرفان حتى السّاعة ".
 ولما كانت حجية الإمام تتمثل في كونه ملجأ الناس وملاذهم في دينهم وما يستجدّ في حياتهم من ملمّات و أقضية،كان علم الإمام محيطا بكل ذلك ، فروي عن علي أنه قال :" لقد أعطيت خصالا لم يعطهن أحد من قبلي ، عَلِمت المنايا والبلايا ، والأنساب ، وفصل الخطاب ، فلم يفتني ما سبقني ،ولم يعزُب عنّي ما غاب عنّي " ([73]).

   وإذا بدا للقارئ أن الرواية السابقة هي خصيصة لعلي (ع) وحده ، فكيف يفعل الأئمة من بعده للإجابة عن أسئلة الناس قيل له :" إذا كان يوم الجمعة ،وافى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – العرش ووافى الأئمة ،ووافيت – يعني جعفر الصادق – معهم ،فما أرجع إلا بعلم مستفاد ولولا ذلك لنَفد ما عندي " ([74]). وبذلك يفسح المجال أمام المخيلة لتقيس حال الأئمة في هذه المسألة على الإمام الصادق.
   فان قلت :"إن توالي الأئمة عبر الزمان يجعل من الطبيعي أن يكون آخرهم أعلم من أولهم ." قيل : "ليس يخرج شيء من عند الله عز وجل حتى يبدأ برسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم بأمير المؤمنين (ع)ثم بواحد بعد واحد لكيلا يكون آخرنا أعلم من أوّلنا ." ([75])
 وإذا كان حكم الإمام لا يُقنع السّامع قيل له: " المتعقب على الإمام في شيء من أحكامه، كالمتعقب على الله وعلى رسوله، والرّاد عليه في صغيرة أو كبيرة على حدّ الشّرك بالله " ([76]).
 وإذا قيل: "إن كان الإمام قيّما على القرآن، فان القرآن يقع بين يدي جميع الناس ومنهم العلماء فهم يعلمون آياته ويعرفون أحكامه، فما حاجتهم إلى الإمام ؟ ". قيل :"القرآن الكريم ليس هو ما بين دفتي المصحف بل هو " آيات في صدور الذين أوتوا العلم " ، وهم الأئمة ." ([77])
 ولا يخفى الانتقال في هذه المسائل من المعقول إلى اللامعقول حيث لا يمكن القبض على المعنى و لا يتسنى الكشف عن المراد ، ولا تتحقق الغاية من التنزيل فلا يهتدى إلى الصّراط المستقيم ، ولا تدرك الغاية من شرع الله ،لأن المقصود من كلامه تعالى قد غاب بغياب الأئمة وذهب بوفاتهم .

وان سأل أحدهم:"هل يكون إمامان في نفس الوقت كما يكون نبيان في الآن نفسه ؟ " قيل له  :" لا يكون إمامان إلا وأحدهما صامت " ([78]).
 وان سألت :"هل تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين (ع)؟" قيل :"لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين أبدا إنما جرت من علي بن الحسين كما قال الله تعالى :" وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " ([79])، فلا تكون بعد علي بن الحسين إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب ." ([80])
 وان سئل:" ما علامات الإمام ؟ " قيل:" منها أن يكون أكبر ولده " ([81]). فان افترضت موت الأكبر قبل أبيه ، بحيث يتخلف هذا الشرط ، قيل إن ذلك بِدَاء من الله تعالى ،فقد روى علي بن جعفر قال :" كنت حاضرا أبا الحسن علي الهادي بن محمد لما توفي ابنه محمد ،قال للحسن : " يا بنيّ أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا " ([82])
 وان قيل:" إذا مات آخر إمام وبقي من الناس بقيّة، فقد خلت الأرض من الحجة، وضاع لطف الله تعالى ؟ قيل له:" لو بقي اثنان لكان أحدهما الحجة على صاحبه ". ([83])
وإذا سأل سائل:" متى يعرف الإمام عِلْم من كان قبله ؟" .أجيب :" آخر دقيقة تبقى من روحه" ([84]).
فان قيل: هب أن الإمام أشرف على الموت، ولم يعرف الوصيّ لتفرد الله بذلك، فكيف سينقل إليه العلم ؟.
قيل له: " لا يموت الإمام حتى يعلم من يكون من بعده فيوصي إليه ". ([85])
وان سأل سائل : لو افترضنا أن الإمام حان أجله، ولم يكن له إلا ابن صغير، أفيصلح أن يكون إماما حجة على الناس ؟ قيل له : إن علي الرضا أوصى إلى أبي جعفر الثاني محمد بن علي وهو ابن ثلاث سنين، فلما كلم في ذلك قال : وما يضره من ذلك فقد قام عيسى – عليه السلام – بالحجة وهو بن ثلاث سنين ([86]).
وان جئتهم بقول جعفر الصادق – وقد خرج على جماعة من أصحابه وهو مغضب.. " يا عجبا لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب إلا الله عز وجل ، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة، فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي ؟؟؟  ([87])
فان الإجابة سبقت على لسان الصادق نفسه وقد سئل عن الإمام يعلم الغيب؟ فقال: لا، ولكن إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمه الله ذلك ؟؟؟؟  ([88])
في حين قد سبق أن ذكرنا من الروايات عن جعفر الصادق نفسه أن الإمام الذي لا يعلم الغيب فليس بحجة لله على خلقه. بل وروي عنه أيضا قوله " إني أعلم ما في السموات والأرض وأعلم ما في الجنة وما في النار، وأعلم ما كان وما يكون ''  ([89])
وان أراد أحدنا أن يبدي امتعاضه من هذه الروايات المتناقضة قيل له:
" هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة  ... إن الإمامة أجل قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم... الإمام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الساطع و النجم الهادي في غياهب الدجى ... الإمام الأنيس الرفيق و الوالد الشفيق والسحاب الماطر والغيث النافع ...فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ...ضلت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب ... عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله...وكيف يوصف بكله أو ينعت بكنهه أو يفهم شيء من أمره...لا كيف وأنى وهو بحيث النجم من يد المتناولين..." ([90])
  هكذا يتيه الإمام ، فلا يحيط العقل بماهيته ، و يستعصي عن الفهم ،فلا تدرك اللغة كنهه ، لكل سؤال عن أحواله جواب ، مادام أمام الخيال أفق لا حدّ له في توهّم الحالات أو تخيّل الإجابات ، ومادام الخيال منفلتا من عقال النّص وقيد العقل .

6 – متى كان النص ؟
   وجهتنا في هذه الفقرة – وهي استكمال لمسألة النص – تتعلق بالإجابة عن السّؤال التالي: متى كان النص ؟
 ولبيان ذلك نسلك سبيل الترتيب الزّمني لورود الروايات ، والغاية هي الكشف عن ضعفها بطريق الإلغاء وفقا للتداعي الزمني نفسه .
هذه النصوص تمتد بها الروايات الشيعية وجودا أحقابا موغلة في "الزمن " وتنشرها على أكناف السماوات وأطباق الأرض ،وعلى رؤوس الجبال ومجرى الماء ،وعلى أركان العرش وأبواب الجنة ،وعلى جباه الملائكة أجنحتها ...مما يقيم الحجّة على تواترها واستفاضتها .
   من هذه الروايات:
 " مكتوب على باب كل سماء: لا اله إلا الله، محمد رسول الله، علي بن أبي طالب أمير المؤمنين" ([91])
" وعلى كل اسطوانة في السماء مكتوب : لا اله إلا الله ، محمد رسول الله ،عليّ  أمير المؤمنين أيّدته به " ([92]).
" وعلى أطواد الأرضين : لا اله إلا الله ، محمد رسول الله ، عليّ وصيّه  ([93])". وكذا الشأن على مجرى الماء ، وأطباق الأرض ورؤوس الجبال . ([94])
 وعلى الشّمس والقمر ... عليّ أمير المؤمنين ،وعلى أحد وجهي الشمس : عليّ نور الأرضين " ([95])
 " وعلى أحد الغيوم التي كانت تظله -  صلى الله عليه وسلم – لا اله إلا الله ، محمد رسول الله ، أيّدته بعليّ سيد الوصييّن ." ([96])
 وعلى أبواب الجنة الثمانية: " علي وليّ الله ، وحول العرش عليّ أمير المؤمنين  ([97])، وعلي- أي العرش - محمد عبدي ورسولي أيّدته بعليّ ([98]) ، وفي رواية : محمد خير النّبيين ،وعليّ سيّد الوصييّن ." ([99])
 وعلى قوائم العرش ..."علي وصيّ محمد " ([100]).
وعلى جناح جبريل – عليه السلام - ..."عليّ أمير المؤمنين" ([101]). وفي رواية :" لا اله إلا الله عليّ الوصيّ " ([102]).
 ووجد النّبي – صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء و المعراج مكتوبا على صخرة بيت المقدس :" لا اله إلا الله محمد رسول الله ، أيّدته بوزيره ... فقال – صلى الله عليه وسلم -:" ومن وزيري ؟ " فقال : " عليّ بن أبي طالب " ([103]).
 وفي رواية:"ولم يبعث الله نبيا ولا رسولا إلا و أخذ عليه الميثاق لمحمّد بالنبوة ولعليّ بالإمامة "، بل إن "ولاية عليّ مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولم يبعث الله نبيا إلا بنبوة محمّد ووصيّة عليّ – صلوات الله عليهما " ([104])
" وعرّج بالنّبي إلى السّماء مائة وعشرين مرّة، ما من مرّة إلا وقد أوصى الله عزّ وجلّ فيها النّبي بالولاية لعليّ والأئمة أكثر مما أوصاه بالفرائض."4
  أمّا متى كان ذلك ؟ فالرّوايات عند الشّيعة تتباعد زمنيا، فبعضها يذكر أن ذلك كان قبل خلق آدم بسبعين ألف سنة.
  فقد رووا عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: " ليلة أسري بي إلى السماء ما مررت بباب من أبواب الجنة إلا ورأيت مكتوبا عليه: علي أمير المؤمنين، من قبل أن يخلق آدم بسبعين ألف سنة."5
  وفي أخرى :
 " لما خلق الله السموات والأرض نادى مناد : عليّ أمير المؤمنين " ([105])
 وفي رواية عن أبي عبد الله قال : "إن الله تبارك وتعالى عرض على آدم في الميثاق ذرّيته ، فمر به النّبي – صلى الله عليه وسلم – وهو متكئ على عليّ ، وفاطمة ،- صلوات عليها – تتلوهما ، والحسن والحسين يتلوان فاطمة ، فقال الله : يا آدم إيّاك أن تنظر إليهم بحسد أُهبِطُك من جواري ، فلما أسكنه الله الجنّة مثّل له النبيّ وعليّا وفاطمة و الحسن والحسين – صلوات الله عليهم – فنظر إليهم بحسد ،ثم عرضت عليه الولاية فأنكرها فرمته الجنّة بأوراقها ، فلما تاب إلى الله من حسده وأقرّ بالولاية ودعا بحقّ الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن و الحسين عليهم السلام غفر الله له ..." ([106])
  ونتقدم في الزمن إلى قولهم :
 " لما ولد عليّ بن أبي طالب – رضي الله عنه – كذا – أول شيء فعله عند مولده أن سجد على الأرض ، وهو يقول : أشهد أن لا اله إلا الله و أن محمّدا رسول الله ، وبمحمّد ختم الله النبوة ، وبي يُتِمّ الوصيّة ، وأنا أمير المؤمنين " ([107]).
وفي طفولة عليّ كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يضع مهده بقرب فراشه، وكان يلي تربيته ويحمله على صدره و يقول:" هذا أخي ووليّ وناصري وصفيّي وذخري... ووصيّي وزوج كريمتي وأميني على وصيّتي وخليفتي." ([108])
  وتمضي سنوات على ذلك ويكبر عليّ – رضي الله عنه – ويبعث النبي – صلى الله عليه وسلم – نبيّا و رسولا للعالمين ، فكان أن دعا عليّا وخديجة – رضي الله عنهما – في بدء الدعوة فقال  :- كما يروى عن الصادق - : إن جبريل عندي يدعوكما إلى بيعة الإسلام ، فأسلما تسلما ... إلى أن قال : يا خديجة ، هذا عليّ مولاك و مولى المؤمنين وإمامهم بعدي ، قالت : صدقت يا رسول الله قد بايعته على ما قلت ، أشهِد الله و أشهِدك بذلك ، وكفى بالله شهيدا عليما ." ([109])
 وحسب الروايات الشيعية أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان حريصا على تعريف الموتى بولاية عليّ، فزعموا أنه خرج إلى البقيع ذات ليلة مع عليّ بن أبي طالب، فأخرج أباه من قبره، وسأله: من وليّك يا أبه ؟ فقال: وما الوليّ يا بنيّ ؟ قال: هو هذا عليّ، فشهد أن عليا وليّه، ثم عدل إلى قبر أمه ([110]) فصنع كما صنع عند قبر أبيه ([111]).
    ونتقدم في الزمن قليلا إلى حديث يوم الدّار وإنذار العشيرة عند بدء الدعوة ([112]) لما نزل قوله تعالى " وأنذر عشيرتك الأقربين "  ([113])، حيث رووا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – دعا بني عبد المطلب ،وهم يومئذ أربعون رجلا ، فيهم أعمامه : أبو طالب والعباس ... وكان قد أوْلَم لهم ...وبعد أن أكلوا وشربوا ، قال: "يا بني عبد المطلب ، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني يكن أخي ووزيري ووصيّي ووارثي وخليفتي من بعدي ؟ فأحجم القوم جميعا إلا عليّا فانه قال: " أنا يا نبيّ الله. فقال: اجلس، ثم قال ذلك ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه – المتكلم: علي – فيقول: اجلس، حتى كان في الثالثة، فأخذ النبي – صلى الله عليه وسلم – برقبته، وقال: هذا أخي ووزيري ووصيّي ووارثي وخليفتي من بعدي، فاسمعوا له و أطيعوا." ([114])

    الآن يمكن القول : إن هذا الخبر قد اشتهر واستفاض ،وأنه قد علمه كل أهل مكّة ،وكل صحابي آمن بالله تعالى و رسوله – صلى الله عليه وسلم - ، ولا شكّ أنهم رووه في حلّهم وترحالهم باعتباره حدثا جليلا يكاد يضاهي النّبوة نفسها ، وأنّ النّاس قد تناقلوه صغارهم فضلا عن كبارهم كما تناقلوا النبوة ، وأن أهل البيت توارثوا علمه جيلا بعد جيل ، وأن هذه الوصيّة ( النّص على الخلافة / الامامة ) ما عادت تخفى على أحد شأنها في ذلك شأن النّبوة نفسها بحيث أنّها صارت من المعلوم من دين الإسلام بالضّرورة ، وأن افتراض خفاء النّص على صاحب الرسالة – صلى الله عليه وسلم-أو جهلِه له محال ، وأنّ دعوى أنّ الصحابة قد تواطؤوا على إخفائه أمر لا تصدّقه العقول .
   لكن ماذا حدث ؟
  تقول الروية : إن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال :" إني لمّا بلغت  بيت المقدس في معراجي ([115]) إلى السماء وجدت على صخرتها : لا اله إلا الله  محمّد رسول الله ، أيّدته بوزيره ونَصَرته به ، فقلت : يا جبريل ، ومن وزيري ؟ قال : عليّ بن أبي طالب "ّ  ([116])
 وفي رواية: لما وصل – صلى الله عليه وسلم – في معراجه –إلى السماء السابعة، سأله الله عزّ وجلّ: من لأمتك من بعدك ؟ فقال: الله أعلم قال: عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين و سيد المسلمين." ([117])
 وفي أخرى في نفس حادثة المعراج، وحين سأله الله تعالى: يا محمد، فيم اختصم الملأ الأعلى ؟  قال: الهي لا علم لي فقال له: يا محمد، هل اتخذت من الآدميين وزيرا أو أخا ووصيا من بعدك ؟ فقال: الهي، ومن أتخذ، تخيّر لي أنت ؟ فأوحى الله إليه : يامحمد ، اختر عليّا، فقلت : الهي ابن عمّي ..؟" ([118])
  يتبين من هذه الرواية أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يوص قبل ليلة الإسراء والمعراج، ولا عرف الوصيّ من بعده من يكون، حتى كان الله تعالى هو الذي عرّفه ذلك، وأمره بالوصيّة لعليّ.
 و بهذا يتضح  أيضا أن كل الروايات التي سقناها قبل هذه الرواية ( المعراج) هي ضعيفة وساقطة ولا يمكن الأخذ بها ، ومن بينها ( رواية يوم الدار ).
  ثم تمضي السنوات، إلى ما بعد الهجرة، فقد روت مصادر الشيعة عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: إن الله تبارك وتعالى أوحى إليّ أنه جاعل لي من أمتي أخا ووارثا وخليفة ووصيّا. فقلت : يا ربّ من هو ؟ فأوحى إلي عزّ وجلّ : يا محمد ، انه إمام أمتك ، وحجّتي عليها بعدك ، فقلت : يا رب ّ، من هو ؟ فأوحى إلي عزّ وجلّ: يا محمد، ذاك من أحبّه ويحبّني، ذاك المجاهد في سبيلي والمقاتل لناكثي عهدي، و القاسطين في حكمي، و المارقين من ديني، ذاك وليّي حقا زوج ابنتك، و أبو ولدك عليّ بن أبي طالب." ([119])
  و المعلوم من السّيرة أن زواج عليّ من فاطمة الزّهراء – رضي الله عنهما – كان بعد وقعة بدر بأيام يسيرة  ([120]).
 فتفيد هذه الروية أن مسألة الوصيّة لم يعرفها النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا درى بها إلا بعد السّنة الثانية للهجرة ، وعليه فان "النّص " على إمامة عليّ لم يكن قبلها ، وما روي عن معرفة النبي – صلى الله عليه وسلم – به ، قبل هذا الزمن هو غير صحيح ، وما دام عليه السلام لم يوص،  ولم يؤمر بالوصيّة ، ولا علمها ، فمن باب أولى أن غيره أحقّ بجهلها والنص أخفى عليه من خفائه على النبي عليه السلام .
 ويتكرر خفاء هذا النص ، بل وانعدامه في مناسبات أبعد من ذلك الزمن ، ففي مكّة قال ابن عباس :" رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم فتح مكة ، متعلقا بأستار الكعبة ، وهو يقول : اللهم ابعث إليّ من بني عمّي من يعضدني ، فهبط جبريل كالمغضب فقال : يا محمد ، أوليس قد أيدك الله بسيف من سيوف الله مجرّد على أعداء الله ؟ يعني بذلك علي بن أبي طالب . ([121])
وفتح مكّة كان في السنة الثامنة للهجرة ، وبهذا لم تكن – مبدئيا – وصيّة ولا نصّ على عليّ بالخلافة قبل هذه السّنة ، وكل ما رُوي عن ذلك قبلها هو محض افتراء ، لأنه لا يجوز على النّبي – صلى الله عليه وسلم – النسيان لهذا الأمر العظيم الذي تزعم الشيعة أنه علمه – صلى الله عليه وسلم – منذ خلق آدم وذكّر به في أكثر من مناسبة ، وارتبط ارتباطا وثيقا بنبوّته وحياته ، حتى كأنه لم يبعث لغاية غيره .
  وبعد هذا التاريخ بسنتين تقريبا – وفي غدير خمّ – تحديدا ، هبط جبريل عليه السلام فقال : يا محمد ، إن الله يأمرك أن تُعلِم أمّتك ولاية مَن فَرَضت طاعته ، ومن يقوم بالأمر من بعدك، فقال :" يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ".  ([122])
فقال: - يعني رسول الله – أي ربّي، ومن وليّ أمرهم بعدي؟ فقال : من هو لم يشرك بي طرفة عين ، ولم يعبد وثنا ، ولا أقسم بزلم ، عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين .  ([123])
وفعلا ، - حسب روايات الشيعة – دعا صلى الله عليه وسلم الناس بغدير خمّ ، وقد غصّ مجلسه بالأنصار والمهاجرين  ([124]) فخطبهم جميعا – وكانوا عشرة آلاف حاج –  ([125]) فأعلمهم بولاية عليّ ...، ولم يجلس حتى نزلت هذه الآية: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا  ([126]) فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة،و رضى الربّ برسالتي، وبولاية عليّ بن أبي طالب " ([127]).
من المؤكد أن الأمر قد اشتهر، وأن النص قد ظهر واستفاض، ونقله قد تواتر، وأنه قد صار من المحال عقلا وواقعا، أن ينساه أحد من المسلمين وعلى رأسهم رسول ربّ العالمين صلوات الله تعالى وسلامه عليه.
 ولكن لم تمض سوى أشهر قلائل ، حتى قرب أجله – صلى الله عليه وسلم – ونعيت إليه نفسه الكريمة ،ودنا التحاقه بالرّفيق الأعلى، فرووا عنه – أي الشيعة – أنه قال : ما قبض الله نبيا حتى أمره أن يوصي إلى أفضل عشيرته من عَصَبته ، و أمرني أن أوصيَ ، فقلت : إلى من يا ربّ ؟ فقال : أوص يا محمد إلى ابن عمك عليّ بن أبي طالب ، فاني قد أثبته في الكتب السّالفة ، وكتبت فيها أنه وصيّك ، وعلى ذلك أخذت ميثاق الخلائق ومواثيق أنبيائي ورسلي ، وأخذت مواثيقهم لي بالرّبوبية ، ولك يا محمد بالنبوة ، ولعليّ بن أبي طالب بالولاية " ([128]).
 وهذه الرواية تفيد أنه لم يستخلف أحدا يوم الغدير ، ولم يوص لعليّ مطلقا يومها وأن ما قاله – صلى الله عليه وسلم – في شأنه في تلك المناسبة لم يُرِد منه أبدا ما تذهب إليه الشيعة من أمر الولاية على المسلمين ، وأن كل عبارة زيدت في حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – و أفادت معنى الوصيّة والولاية السياسية أو غيرها ، إنّما زيدت على أصل كلام النبي – عليه السلام – أو أوّلت على مقتضى مذهب الشيعة ، وهي لا تلزم أحدا سواهم ، وليس لهم أن يحتجّوا بها على غيرهم .
  و لا يعني انتفاء النص يوم الغدير – بحسب التداعي التاريخي الذي سلكناه – ثباته عند وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم - ، لأن كتاب الحجّة من أصول الكافي في باب "الإشارة و النص على أمير المؤمنين عليّ" – رضي الله عنه – لا يثبت وصيّة و لا يذكر نصّا ، حيث يسوق الكليني ستّ روايات ليس في أحدها ذكر للنصّ  و لا للوصيّة ، و ما فيها إنما هو دعوى أن عليّا تعلّم من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "ألف باب يفتح كل باب ألف باب " وفي عبارة أخرى "ألف حرف يفتح كل حرف ألف حرف " وقد كتب عليّ كل ذلك في صحيفة واحدة طاعة لأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي قال له :" يا عليّ إذا أنا مت فغسّلني وكفنّي ثم أقعدني و سلني واكتب " ، وفي رواية مشابهة :" إذا أنا متّ .. فغسلني وكفني وحنّطني ، فإذا فرغت من غسلي وكفني فخذ بجوامع كفني وأجلسني ثم سلني عما شئت فوالله لا تسألني عن شيء إلا أجبتك فيه " ([129])
   بديهي أن يطرح السؤال التالي: لِمَ لَمْ ينتقل علم النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى الإمام " في آخر دقيقة من حياته " كما يزعم الشيعة، ولِم كان ذلك بعيد وفاته ؟
  و الإجابة – فيما نذهب إليه – أن الموت سر مغلق لا يتوصل الحيّ إلى معرفة كنهه ولا يقدر على إدراك طبيعته ، و ما حدث لعليّ – رضي الله عنه - ، لم يشهده أحد سواه ، وهو ما أراده الرواة الشيعة ، حتى يظل الأمر " سرا في سر ، وسر مستسر ، وسر لا يفيد إلا سرا، وسر على سر ، وسر مقنع بسر ".  ([130])
 انه الخواء والفراغ ، والغموض و اللاّمعنى ، قصد الإغراق في الإلغاز و " الأسطرة" ، بعيدا عن فهم العقل وإدراكه ، وعن نور القلب وقناعته ،وهذا أمر مقصود وغاية مطلوبة ،لأن ما لا تضبطه النصوص ولا تحدّه العقول، لا تبنى عليه العقائد ولا تقام عليه الشرائع، وقد انتقل النبي – صلى الله عليه وسلم- بعدما ترك النّاس على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ولم يتعبدنا الله تعالى إلا بما هو بيّن وجليّ واضح ،وأين ذلك من قول القوم: "إن الإمامة أجلّ قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم"([131])


- أهم المصادر و المراجع
-         إعلام الورى : الطبرسي الفضل بن الحسن ، دار المعرفة بيروت (دت)
-         إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات : الحر العاملي محمد بن الحسن ،ط1 بيروت ، 1425هـ/2004م.
-         الاختصاص : المفيد محمد بن محمد بن النعمان ، مؤسسة الاعلمي ، بيروت (دت).
-         بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، محمد باقر المجلسي ،ط2،مؤسسة الوفاء،بيروت 1403هـ/1983.
-         بصائر الدرجات : الصفر القمي محمد بن الحسن ، منشورات مكتبة المرعشي النجفي ، قم – إيران.
-         البيان والتبيين : الجاحظ عمرو بن بحر أبو عثمان ، تحقيق فوزي عطوى ،ط1دار صعب ، بيروت 1968م.
-         تاريخ الأمم و الملوك : الطبري محمد بن جرير، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، بيروت (دت).
-         تطور الفكر السياسي الشيعي ، أحمد الكاتب ، ط1 دار الجديد ، بيروت 1998م.
-         تفسير العياشي ، العياشي محمد بن مسعود بن عياش السلمي ، ط 1 مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ،بيروت 1411هـ/ 1991.
-         الخصال : الصدوق ابن بابويه القمي محمد بن علي ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت (دت).
-         الرسائل السياسية : الجاحظ عمرو بن بحر ، ط1 دار ومكتبة الهلال ، بيروت 1987م.
-         الشافي في الإمامة : علي بن الحسين الموسوي ، تحقيق السيد عبد الزهراء الحسيني ، مؤسسة الصادق للطباعة ، بيروت.(دت)
-         شرح الأصول الخمسة : القاضي عبد الجبار بن أحمد ، تحقيق عبد الكريم عثمان ، ط3مكتبة وهبه، مصر 1416هـ/1996م.
-         علل الشرائع : الصدوق ابن بابويه ، المكتبة الحيدرية ، النجف.(دت).
-         الكافي :  الكليني محمد بن يعقوب ، ط3 مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر ، قم ايران1428هـ /2007م.
-         كشف الغمة : الأربلي علي بن عيسى ،دار الأضواء ،بيروت (دت).
-         مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: المجلسي محمد باقر ، تحقيق السيد جعفر الحسيني ،دار الكتب الإسلامية طهران ،2010م.
-         مسألتان في النص على عليّ : المفيد محمد بن النعمان ، تحقيق الشيخ مهدي نجف ، نشر مركز العقائد الإسلامية ، ايران.
-         من لا يحضره الفقيه : الصدوق ابن بابويه القمي ،ط3 مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر ، قم ايران 1428هـ/2007م.
-         النكت الاعتقادية : المفيد محمد بن محمد، ط2 دار المفيد بيروت 1414هـ/1993م.


 ([1]) أصول الكافي : المقدمة : 1/9.
 ([2]) -المصدر نفسه:1/9.
 ([3]) أصول الكافي: كتاب الإيمان والكفر: 2/18. إثبات الهداة:1/91. تفسير العياشي : 1/214. البحار: 68/ 332.
 ([4]) أصول الكافي:كتاب الإيمان والكفر: 2/22. الخصال: ص 278.
 ([5]) الروضة من الكافي : حديث نوح عليه السلام : ص 217.
 ([6]) أصول الكافي: كتاب الحجة:1/437.
 ([7]) أصول الكافي:كتاب الحجة: 1/278.
 ([8]) أصول الكافي: كتاب الحجة: 1/436.  الاختصاص:ص18 و38. إثبات الهداة: 2/18. بصائر الدرجات :ص 72.
 ([9]) أصول الكافي: المقدمة:1/8.
 ([10]) يقصد بالعالم : الإمام جعفر الصادق.
 ([11]) أصول الكافي: المقدمة:1/9.

 ([12]) اعتبر محمد الباقر البهبهودي من مجموع 16121حديثا من أحاديث الكافي 4428 حديثا صحيحا و ترك 11693 حديثا منها لم يرها حسب اجتهاده صحيحة.
 ([13]) فالإمام كالشمس الطالعة، والإمام يعلم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليه الشيء، والإمام يعلم ما في السماوات وما في الأرض ويعلم ما في الجنة وما في النار...،وأوتي علم المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب ...انظر :أصول الكافي : كتاب الحجة : 1/ 293 و297و 384.
 ([14]) أصول الكافي: كتاب الحجة: 1/201.
 ([15]) أصول الكافي: كتاب الحجة:1/402.
 ([16])أصول الكافي :كتاب الحجة:1/402.
 ([17]) أصول الكافي: كتاب الحجة:1/402-403.
 ([18]) الصفار: بصائر الدرجات:ص28
 ([19])  المجلسي : البحار:2/30.
 ([20])  أصول الكافي: كتاب الحجة:1/287، باب ما نص الله عزّ وجلّ ورسوله على الأئمة (ع) واحدا فواحدا، والأبواب الموالية بعنوان: باب الإشارة والنصّ على [ فلان] من الأئمة إلى أن يأتي عليهم جميعا.
 ([21]) - النّص في اللغة هو المبالغة في الإظهار، وفي لسان العرب: كل ما أظهر فقد نصّ. انظر: مادة: نصص.
 ([22]) - الجاحظ: البيان والتبيين : ص 54.
 ([23]) - الجاحظ: البيان والتبيين : ص 54.
 ([24]) - الشيخ المفيد: مسألتان في النص على عليّ، مقدمة المحقق، ص 1.
 ([25]) - أصول الكافي: كتاب الحجة: 1/288-295.
 ([26]) -أصول الكافي: كتاب الحجة:1/425.
 ([27]) - سورة الأحزاب:33.
 ([28]) - أصول الكافي: كتاب الحجة:1/288.
 ([29]) - أصول لكافي : كتاب الحجة :1/ 308-309-310-315-327.
 ([30]) - برد عبارة "الأئمة المنصوص عليهم " كثيرا في كتب عقائد الامامية ، وهي عبارة قائمة على التعمية والغموض ولا تدل على ما يذهب إليه عقل القارئ بداهة من أن النص ثابت فيهم والحجة قائمة على إمامتهم.
 ([31]) - أصول الكافي: المقدمة: 1/8.
 ([32]) - أصول الكافي كتاب الحجة : 1/306.
 ([33]) -أصول الكافي: كتاب الحجة: 1/306.
 ([34]) - أصول الكافي: كتاب الحجة: 1/308.
 ([35]) - أصول الكافي: كتاب الحجة:1/311.
 ([36]) - أصول الكافي: كتاب الحجة: 1/312.
 ([37]) - أصول الكافي: كتاب الحجة: 1/304.
 ([38]) سورة البقرة: 132.
 ([39]) أصول الكافي كتاب الحجة : 1/307.
 ([40]) أصول الكافي: كتاب الحجة:1/316-317.

 ([41])  أصول الكافي : كتاب الحجة : 1/349.
 ([42]) المجلسي : البحار :46/ 329. – إثبات الهداة: 3/56. – إعلام الورى:ص 258- 259.

 ([43]) - مثله أيضا على الأربلي، إذ يذكر أنه لمل حصل خلاف على الإمامة بين موسى الكاظم وأخيه عبد الله – وكان عبد الله أكبر ولد جعفر الصادق – أمر موسى بجمع حطب في وسط الدار، ثم أرسل إلى أخيه عبد الله يسأله أن يصير إليه، قلما صار إليه، -ومع موسى جماعة من الامامية – أمر موسى بطرح النار في الحطب... فاحترق ولا يعلم الناس السبب فيه حتى صار الحطب كله جمرا، فقام موسى وجلس بثيابه في وسط النار، وأقبل يحدث الناس ساعة، ثم قام فنفض ثوبه ورجع إلى المجلس، فقال: لأخيه: إن كنت تزعم أنك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس. كشف الغمة : 3/73.
 ([44]) تفسير العياشي :1/21.
 ([45]) المفيد: الرسائل العشر :ص 169. نقلا عن تطور الفكر السياسي الشيعي ،أحمد الكاتب .
 ([46]) المفيد :النكت الاعتقادية :ص 39.
 ([47]) الشافي في الإمامة : 2/67-68.
 ([48]) لاحظ ما قاله الشيخ المفيد سابقا في ردّه الضعيف على اتهام الامامية برواية الموضوع للتدليل على إمامة عليّ- رضي الله عنه-.
 ([49]) لاحظ صيغة الأفعال عند الشريف المرتضى بين الماضي والمضارع، " لا نقطع... علموا النص ... لا يمتنع عندنا ... فلا نعلم... اختلفوا وتباينوا " فكأني بصاحب الشافي يدعي قراءة النص بالكيفية التي كان يقرأه بها الناس زمن حدوثه، والحال أن كل قراءة إنما تعيد إنتاج المقروء لأنها ترتحل إليه بثقافتها ومذهبيتها وشجونها وهمومها، فكيف إذا كان النص خفيا... والقراءة التي تزعم إنها ترمي إلى قراءة ما قرأه السابقون بحرفيته لا مبرر لها أصلا، إذ الأصل يكون عندئذ أولى منها، بل هو يغني عنها.

 ([50]) الجاحظ: كتاب فضل هاشم على عبد شمس، انظر السائل السياسية:ص 420.
 ([51]) كتاب فضل هاشم على عبد شمس:ص421.
 ([52])كتاب فضل هاشم على عبد شمس:ص420
 ([53]) عن أبي ثعلبة الخشني عن أبي عبيدة ومعاذ بن جبل ،عن النبي – صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عزّ وجلّ بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة ،و كائنا خلافة ورحمة ، وكائنا ملكا عضوضا وكائنا عتوّا وجبرية وفسادا في الأرض ". رواه أبو داود الطيالسي ،والطبراني ، وقال الهيثمي : فيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة ولكنه مدلس ،وبقية رجاله ثقات . إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة: 1/210.

 ([54]) يقول المجلسي – بعد أن ساق طعن علماء الرجال في المفضل بن عمر - : " ...بل الظاهر الحق أنهم ( وذكر معه غيره) كانوا صحيحي الاعتقاد صالحي الرواية صادقي اللهجة متحرجين عن الكذب...وأنهم أوتوا من قبل الغلاة وأشباههم . البحار:53/2.
 ([55]) البحار:53/14.
 ([56]) البحار: :53/38.
 ([57]) الروضة من الكافي : ص 89-90.
 ([58]) أصول الكافي: كتاب الحجة:1/169.
 ([59]) المجلسي : مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول :2/256.
 ([60]) أصول الكافي: كتاب الحجة:1/143-150.
 ([61]) القاضي عبد الجبار : شرح الأصول الخمسة ص 751.
 ([62]) مرآة العقول :2/262.
 ([63]) أصول الكافي: كتاب الحجة: 1/171.

 ([64]) ككون الجزء أصغر من الكلّ.
 ([65]) مرآة العقول :2/265.
 ([66]) أصول الكافي: كتاب الحجة: 1/174.
 ([67]) مرآة العقول :2/268.

 ([68]) سورة يوسف:5.
 ([69]) أصول الكافي: كتاب الإيمان و الكفر:2/32.
 ([70]) أصول الكافي: كتاب الحجة:1/174.
 ([71]) مرآة العقول :2/277. البرقعي : كسر الصنم : ص32.

 ([72]) أصول الكافي: كتاب الحجة:1/197.
 ([73]) نفس الإحالة السابقة.
 ([74]) أصول الكافي: كتاب الحجة: 1/255.
 ([75])أصول الكافي:كتاب الحجة: 1/256.
 ([76])أصول الكافي: كتاب الحجة: 1/197.
 ([77]) أصول الكافي: كتاب الحجة:1/258.
 ([78])أصول الكافي: كتاب الحجة:1/177.
 ([79]) سورة الأنفال:75.
 ([80]) أصول الكافي: كتاب الحجة: 1/286.
 ([81])أصول الكافي: كتاب الحجة:1/285.
 ([82])أصول الكافي: كتا الحجة:1/326.
 ([83]) أصول الكافي: كتاب الحجة:1/180.
 ([84])أصول الكافي:كتاب الحجة:1/275.
 ([85]) أصول الكافي:كتاب الحجة:1/278.
 ([86]) أصول الكافي:كتاب الحجة:1/322.
 ([87]) أصول الكافي: كتاب الحجة:257.
 ([88]) أصول الكافي:كتاب الحجة:1/258.
 ([89]) أصول الكافي:كتاب الحجة:1/261.
 ([90]) أصول الكافي كتاب الحجة:1/199- 200- 201.

 ([91]) البحار:18/304.
 ([92]) إثبات الهداة:2/107. - البحار: 39/166،63/216.
 ([93])  - البحار:36/342، إثبات الهداة:1/593.
 ([94]) إثبات الهداة:2/117. -البحار:27/1.
 ([95]) البحار:27/10.
 ([96]) إثبات الهداة:2/151.
 ([97]) إثبات الهداة:2/47.-البحار:8/144،27/11.
 ([98]).-البحار:27/2،10. 36/348.
 ([99]) الاختصاص:ص91. – البحار:26/256.
 ([100]) البحار:16/365،27/5.-.
 ([101]) إثبات الهداة:2/117.- البحار:27/1.
 ([102]) البحار :27/9.
 ([103]) من لا يحضره الفقيه:4/374.- إثبات الهداة:2/24.-البحار:18/389.
 ([104]) الاختصاص:ص18،343.- البحار: 11/60،24/330.
 ([105]) أصول الكافي : كتاب الحجة:1/441. – البحار:16/295،37/295.
 ([106]) تفسير العياشي :1/59-60.
 ([107]) إثبات الهداة :2/483-490.- البحار:35/14.
 ([108]) البحار:35/9.
 ([109]) علل الشرائع:ص70.- إثبات الهداة 1/268.- البحار:15/109
 ([110]) هكذا بدا للراوي : والصحيح أنعبد الله والد رسول الله – صلى الله عليه وسلم- دفن بدار النابغة في المدينة، وأمه بالأبواء بين مكة و المدينة ، لا في البقيع كما تدعي الرواية. انظر: الطبري: التاريخ:2/165.
 ([111]) علل الشرائع :ص70. –إثبات الهداة:1/268.- البحار: 15/109.
 ([112]) كان ذلك بعد مبعثه – صلى الله عليه وسلم- بثلاث سنين.انظر : المجلسي : البحار: 18/195،66/103.- الطبري : التاريخ: 2/318.
 ([113]) سورة الشعراء:214.
 ([114]) اثبات الهداة :1/297.- البحار:18/191،38/223.

 ([115]) كان المعراج في سنة اثنتي عشرة من نبوته – صلى الله عليه وسلم - ، انظر : المجلسي :البحار :18/303، 19/24. – ابن حجر: فتح الباري:7/207. وبذلك فان الزمن الفاصل بين "حديث الدار" وحادثة المعراج هو عشر سنوات.
 ([116]) البحار: 18/390.
 ([117]) أصول الكافي:كتاب الحجة:1/442.- البحار:18/306،383،403.
 ([118]) إثبات الهداة:1/500.- البحار:51/69، 52/276.
 ([119]) إثبات الهداة:2/67.- البحار:38/107.
 ([120]) البحار:43/135. وكانت وقعة بدر في السنة الثانية للهجرة في شهر رمضان. الطبري: التاريخ2/418.
 ([121]) البحار:41/61.
 ([122]) سورة النساء 59.
 ([123]) البحار: 37/324.
 ([124]) البحار:37/193.
 ([125]) تفسير العياشي :1/361.- البحار:37/140.
 ([126]) سورة المائدة 3.
 ([127]).- البحار:37/195.
 ([128]) أصول الكافي:كتاب الحجة:1/293-294.- إثبات الهداة:2/93.- البحار:15/18 ،26/272.
 ([129]) العبارات كلها من أصول الكافي: كتاب الحجة:1/296-297.
 ([130]) بصائر الدرجات :ص28.
([131]) أصول الكافي : كتاب الحجة :1/200.

هناك تعليق واحد:

  1. TOTO SINGLE CHINESE - Titanium White Octane & Steel
    TOTO SINGLE titanium wood stove CHINESE SINGLE titanium knee replacement CHINESE - TOTO titanium iv chloride SINGLE CHINESE - babyliss titanium flat iron TOTO SINGLE CHINESE - TOTO SINGLE CHINESE - TOTO SINGLE CHINESE. sunscreen with titanium dioxide

    ردحذف